قصه تحكي اخلاق مبتعث بعد تخرجه : قابلتُ صديقي المحامي الإنجليزي المسلم "وحيد" بعد أن انقطعت بيننا الاتصالات لما يزيد على ستة أشهر. سألته عن أخباره فرد والسعادة تملأ وجهه، وقال إنه ذهب إلى السعودية، وأدى العمرة، وزار مدينة المصطفى عليه الصلاة والسلام. قال كلاماً جميلاً عن الصلاة والعبادة وروحانية الحرمين المكي والمدني.
سألته إن كان قد قابل "محمد" خريج الشريعة من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المبتعث سابقاً لدراسة الماجستير في القانون في "مانشستر"، الذي تعرفتُ عليه أثناء زيارتي لمكتب "وحيد" في إحدى المرات.
تغيّر وجه "وحيد"، وبدأ يتحدث بنبرة حزينة، وقال: اتصلت به بعد أن تخرج وعاد إلى السعودية لأطمئن عليه وعلى أسرته كما هي أخلاق المسلمين في كل مكان، فرد علي وقال إنهم جميعاً بخير، وإنه مشغول قليلاً الآن، وسيتصل لاحقاً. لم يتصل "محمد" فقام "وحيد" بالاتصال به وإرسال رسائل نصية بعدها أكثر من مرة، وفي أوقات مختلفة خلال الأشهر الثلاثة التالية تقديراً للفترة التي أمضاها "محمد" متدرباً عنده في مكتبه. أخيراً أرسل له رسالة عبر البريد الإلكتروني، قال له فيها إنه ذاهب إلى العمرة، وسيكون سعيداً لو تمكن من مقابلته والسلام عليه والاطمئنان عليه.
لا حاجة للقول إن محمد لم يرد على أي من تلك الاتصالات والرسائل النصية والبريدية!
تحدث إلي كثيراً باللغة الإنجليزية ولغته العربية المكسرة عن الإسلام، وأن المسلمين كالجسد الواحد، وعن احترام الآخرين غير المسلمين، فكيف بالمسلمين الذين كان بينهم علاقة صداقة وعمل، وكأنه أراد أن يقول "كان بيننا عيش وملح".
قيل في الأثر "الدين المعاملة". هل وعى "محمد" وغيره من الشباب أن الناس لا يهمهم كثيراً إن كان الشخص متديناً أم لا، وأن الدين علاقة بين العبد وربه، وليس للآخرين علاقة به، فهو من سيحاسب على التزامه أو تقصيره في دينه، وليس لهم إلا العلاقة التي بينهم وبينه، وحكمهم عليه يكون من خلال سلوكه وتعامله.. ما الفائدة بالنسبة للآخرين أن يكون شخص على دين والتزام وتدين كبير وهو لا يقدر الصداقة، ولا يعرف الالتزام الأخلاقي والبر في التعامل مع الناس؟!